الذهب لعنة السودان 
____

بدايةً دعنا نقول أن وجود الذهب في أرض السودان قديم قدم إنسان السودان نفسه ، حتى تسمية اطرض النوبة في شمال السودان مرتبط بوجود الذهب ، و الذهب يسمي باللغة النوبية ( نب) ويقول العلماء أن الكلمة تم تحريفها مع مرور الزمن من ( نب) الى ( نوبة) و أرض النوبة تعني أرض الذهب .

و إكتشاف الذهب في تلك المنطقة يعود لفترة زمنية موغلة في القدم منذ عهد الممالك النوبية الأولى مروراً بالإحتلال التركي للسودان و بنسب الى محمد على باشا أنه قال ( نريد إحتلال السودان للحصول على الرجال الاشداء للجيش والحصول على الذهب ) .

ووجود الذهب ليس حكراً على الشمال ولكنه أيضا متواجد في شرق السودان والنيل الأزرق وبعض مناطق دارفور وجبال النوبة في كردفان .

هذا ما يقولة التاريخ عن الذهب في السودان . وكانت هناك شركات معروفة تنقب عن الذهب منذ عشرات السنين مثل شركة أرياب في جبال البحر الأحمر . في بداية هذه الألفية بدأ ظهور التعدين الأهلي في عدة مناطق من شمال السودان وبتشجيع من الحكومة التي فقدت بترول الجنوب بعد الإنفصال و وجدت الحكومة ضالتها في الذهب لسد الفجوة في العملة الأجنبية وبدأ التعدين الأهلي يتمدد حتى شمل السودان كله تقريباً وبتشجيع من الدولة كما أسلفت ، و دخلت مئات الشركات في مجال التنقيب عن الذهب .

و في سنوات قليلة جدا إتجه ملايين السودانيين إلى مجال التعدين الأهلي أو دعنا نسمية التقليدي أو العشوائي و إختلط الحابل بالنابل وفجأة تحول السودان كلة إلى حفرة عميقة و أصبح نصف الشعب السوداني داخل هذه الحفرة العميقة ( إلا من رحم ربي ) أما معدنا أو بائعا أو مشترياً أو مقدماً خدمة توفير الماء والسكن والعلاج  والترفية المباح و أحيانا غير المباح لهؤلاء المعدنون.

وبطريقة دراماتيكية تحول كل الشعب السودان و إقتصادة وحياتة مرتبطاً بهذا المعدن الأصفر الذي يسمى بالذهب .
وهجر المزارعون أراضيهم الخصبة وتخلى الرعاة عن قطعانهم وترك العمال مصانعهم و إتجهوا الى مناطق التعدين .

ومارس المعدنون في مناطق التعدين أسوأ تدمير للأراضي ولم يسلم من هذا الخراب و الدمار إلا الأراضي الزراعية الخصبة ولا المناطق الأثرية وخاصة في شمال السودان حيث تمت سرقة وإتلاف مئات المناطق الأثرية وتجريف مئات الأفدنة الصالحة للزراعة حتى تحولت بعض المناطق وكأنها ضربت ( بضم الضاد )  بقنبلة نوويه !! . 

هناك أراضى زراعية قل أن تجد مثلها في العالم تم تجريفها وحفرها بحثا عن هذا الملعون الذي يسمي بالذهب مثال مشروع خيرنتود في مدينة عبري في أقصى الشمال حيث تم تدمير الأرض في أجزاء واسعة من حرم هذا المشروع . تربة طينية من ( القريرة ) وهي من أجود أنواع التربة في العالم تم جرفها بحثاً عن الذهب 

وكما قلت لهم لو تم شحن هذه التربة لدول أوربا لكان دخلها أعلى من قيمة الذهب الذي تبحثون عنه . وما حدث في مشروع خيرنتود هو مثال واحد فقط لما يجري في كل أنحاء السودان من تدمير وخراب للتربة .

ووسط كل هذا الخراب والدمار للارض والانسان والحيوان نتيجة لاستخدام المواد الممنوعة عالميا مثل السيانيد لاستخلاص الذهب يقول لنا رئيس جمعية مصدري الذهب ان السودان انتج خلال العام ١٠٠ طن من الذهب وما تم تصديره لا يتجاوز  الستة اطنان من الذهب عن طريق بنك السودان !! هل هناك مصيبة او فجيعة اكبر من هذا في هذا الوطن ؟؟ 

دمرنا الارض ولوثناها بالسيانيد وهجرنا الزراعة وتوقفنا عن تربية الحيوان واقفلنا المصانع وهجرنا مقاعد الدراسة في الفصول فقط لتصدر الدولة ٦ طن من الذهب من إجمالي انتاج بلغ ١٠٠ طن . اين ذهبت بقية الاطنان المنتجة والتي تبلغ ٩٤ طن ؟؟ 

ذهبت لجيوب بعض الافراد او الجماعات او الشركات وانتفخت اوداجهم وجيوبهم بالمليارت من الدولارات .
ويتم التهريب ( وعلى عينك يا تاجر اما عن طريق مطار الخرطوم او منافذ العبور لدول الجوار) ويتم التهريب عن طريق نافذين في الدولة او السلطات الامنية المنوط بها حفظ الامن ومنع التهريب  !! 

لذا قلت في عنوان المقال ان الذهب هو لعنة السودان الحقيقية  . ماذا جنينا من الذهب غير الخراب والدمار والفساد والافساد ؟ وماذا جنت حكومتنا الانتقالية من هذا الذهب وماذا ستجني ؟ 

نعم هناك افراد بنوا القصور وامتطوا الفارهات وكدسوا الدولارات في بنوك العالم ولكني اتحدث عن انسان السودان البسيط الذي بالكاد يسد رمق جوعه .. ماذا استفاد هذا الانسان غير ان فقد ارضه التي كان يزرع ويرعى فيها وفقد اثاره التاريخية التي كنا نباهي به العالم وتم تلويث بيئته النظيفه التي كان يعيش فيها واصبح معرضا لهذه السموم والتي تسبب له كثير من الامراض التي لا علاج لها .
والذهب يحتاج الى مقالات كثيرة لكشف كل الجوانب المخفية في عالم الذهب ودهاليزه واسراره وما قلته هو مجرد ذرة في هذا المحيط القذر الذي دمر ارض السودان وشبابه ورجاله وربما نعود لذات الموضوع مرة اخرى ان كان في العمر بقية 

ألست محقا عندما اقول ان الذهب لعنة السودان ؟؟
كان الله في عوننا 
_____

رمزي المصري